القائمة الرئيسية

الصفحات

عـلاء هـارون المحامى بالنقض والدستورية والإدارية العليا ت : 0100648254 المدونة القانونية : قانونية - إخبارية – إستشارات ( مقالات قانونية - أخبار قانونية - نشرات قانونية – إستشارات قانونية ) جنائى - مدنى - قضايا الأسرة - قضاء إدارى - تجارى وشركات - تشريعات - أحكام - صيغ قانونية - تنمية بشرية - أخبار

آخر الأخبـــار

الحكم بعدم دستورية اعتبار الهبة لذى رحم محرم مانعًا من الرجوع فى الهبة ( نص البند " هــ " من المادة 502 من القانون المدنى )

 

الحكم بعدم دستورية
اعتبار الهبة لذى رحم محرم مانعًا من الرجوع فى الهبة
( نص البند "  هــ  " من المادة 502 من القانون المدنى )

 

الحكم بعدم دستورية نص البند " هــ " من المادة ( 502 ) من القانون المدنى ، فيما تضمنه من اعتبار الهبة لذى رحم محرم مانعًا من الرجوع فى الهبة

الحكم بعدم دستورية اعتبار الهبة لذى رحم محرم مانعًا من الرجوع فى الهبة ( نص البند " هــ " من المادة 502 من القانون المدنى ) 

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع مــــن أكتوبر سنة 2021م، الموافق الثانى من ربيع الأول سنة 1443 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو                   رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد                               نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع                            أمين السر



أصدرت الحكم الآتى

فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 97 لسنة 30 قضائية " دستورية " .



المقامة من

عبد الجليل محمد أحمد عبد العليم

ضــــد

  1. رئيس الجمهورية    
  2. رئيس مجلس الوزراء
  3. وزير العدل                        
  4. رئيس مجلس الشعب ( النواب حاليًا )
  5. الممثل القانونى للهيئة القومية للبريد
  6. داليا عبد الجليل محمد أحمد عبد العليم
  7. دعاء عبد الجليل محمد أحمد عبد العليم



الإجـــراءات

بتاريخ الثالث عشر من مارس سنة 2008 ، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص البند " هــ " من المادة ( 502 ) من القانون المدنى، فيما تضمنه من اعتبار الهبة لذى رحم محرم مانعًا من الرجوع فى الهبة .


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم :

أصليًا : بعدم قبول الدعوى .

واحتياطيًا : برفضها .

وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمــــة

 بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة .

حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى 1360 لسنة 2006 مدنى كلى، أمام محكمة بورسعيد الابتدائية  ، ضد المدعى عليهم الخامس والسادسة والسابعة فى الدعوى المعروضة، طالبًا الحكم باعتبار الهبة كأن لم تكن، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار قانونية بما فيها إلغاء التوكيل العام رقم 370/هــ لسنة 2005 توثيق بورسعيد. وقال بيانًــــا لدعواه ، إنه وهب لنجلتيه المدعى عليهما السادسة والسابعة نصيبه فى تركة زوجته – والدتهما - سعاد أحمد حسن عطية ، ويشمل حصة فى شقتين بالعقار المبين بصحيفة الدعوى ، ومبلغًـــــا ماليًا بدفتر توفير لدى الهيئة القومية للبريد ، وشقة يمتلكها بالعقار ذاته ، وحرر لهما توكيلاً بالتصرف فى تلك الأموال ، إلا أنهما قد أغضبهما زواجه من أخرى ، أنجبت له ولدين ، فقدمتا ضده عدة بلاغات كيدية ، كما أقامتا دعوى قضى فيها بإلزامه بأن يؤدى لهما نفقة شهرية ، فضلاً عن أنه ملتزم بالإنفاق على زوجته وولديه ، وكذا نفقة ومصروفات علاج شقيقه ، مما أرهق كاهله ، بعد أن زادت التزاماته المالية ، الأمر الذى يوفر له العديد من الأعذار للرجوع فى هبته ، فأقام دعواه بالطلبات السالفة البيان .

وأثناء نظر الدعوى بجلسة 29/1/2008 ، دفع بعدم دستورية نص البند " هـــ " من المادة ( 502 ) من القانون المدنى ، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة .


وحيث إن المادة (502) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 تنص على أنه :

" يرفض طلب الرجوع فى الهبة ، إذا وجد مانع من الموانع الآتية :

( أ ) ............          ( ب )...........          ( ج ) ............      ( د ) ...........

( هـ ) إذا كانت الهبة لذى رحم محرم .................. " .


وحيث إن من المقــــــرر فى قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط قبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك ، وكان المدعى يبتغى من دعواه الموضوعية الترخيص له بالرجوع عن هبته لابنتيه ، لقيام موجبات ذلك فى حقه.

وكان نص البند " هــ " من المادة ( 502 ) من القانون المدنى يحول دون تحقيق مبتغاه ، الأمر الذى يوفر له مصلحة شخصية مباشرة فى الطعن على هذا البند فى مجال سريانه على هبـــــــــــة أى من الوالدين لولده ، وبها يتحـــــدد نطـــــاق هذه الدعـــــوى ، دون سائر ما انطوى عليه نص هذا البند من أحكام لطبقات أخرى من ذوى رحم محرم .


وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفة أحكام المادتين (2، 40) من دستور سنة 1971، المقابلة لأحكام المادتين (2، 53) من دستور سنة 2014، لمخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، التى حضت على البر بالوالدين وعدم عقوقهما، وأكدت معظم مذاهبها على أحقية الوالد فى الرجوع عن هبته لولده، دون أية أعذار، فضلاً عن انطواء النص على تمييز غير مبرر، بأن منع الواهب لولده من الرجــــوع فــــى الهبة، حــــال أن غيره مــــن الواهبين يجــــوز لهم الرجــــوع فى الهبة إذا توافر عذر يبيح لهم ذلك .


وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين ، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره ، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًـــــا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .

متى كان ذلك ، وكانت المناعى التى وجهها المدعى للنص المطعون عليه – فى النطاق السالف تحديده – تندرج تحت المناعى الموضوعية ، التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى معين لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى. ومن ثم، فإن المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه – الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه – من خلال أحكام دستور سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية .



وحيث إن القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948، قد خصص الكتاب الثانى منه للعقود المسماة ، وأورد فى الباب الأول منه العقود التى تقع على الملكية، وأفرد الفصل الثالث منه لعقد الهبة ، فى المواد من (486) حتى (504) ، مبينـــًا فيها أركان الهبة ، وآثارها ، والرجوع فيها ، وموانع الرجوع ، معرفـــًا فى المادة (486) الهبة بأنها عقد يبرم بين الأحياء ، بموجبه يتصرف الواهب فى ماله دون عوض، مع جواز أن يفرض الواهب على الموهوب له القيام بالتزام معين .

ووفقـــًا للمادة (487) ، لا تتم الهبة إلا إذا قبلها الموهوب له أو نائبه .

ومن خصائص الهبة – على ما أوردت الأعمال التحضيرية للنص المطعـــــون فيه والتنظيم التشريعـــــى للهبة – أنه يجـــــوز الرجوع فيها رضـــــاءً أو قضاءً إذا وجد عذر ولم يوجد مانع ، وقد نظمها المشرع مراعيًا هذا الأصل ، فأكد فى المادة (500) من القانـــــون المدنـــــى على أنه " يجـــــوز للواهب أن يرجـــــع الهبـــــة إذا قبل الموهوب له ذلك، فإذا لم يقبل ، جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له فى الرجوع ، متى كان يستند فى ذلك إلى عذر مقبول ، ولم يوجد مانع من الرجوع. وتأكيدًا على جواز الرجوع فى الهبة ، وضع المشرع فى المادة (501) من القانون ذاته أمثلة لهذه الأعذار، تيسيرًا على القاضى ، كما حدد فى المادة (502) من ذلك القانون، حصرًا لموانع الرجوع فى الهبة، ومن بينها حالة  الهبة لذى رحم محرم ، ومن ذلك هبة أى من الوالدين لولده . ومؤدى العبارة الواردة بصدر نص تلك المادة من أن " يرفض طلب الرجوع فى الهبة " ، نهي القضاة عن التعرض لموضوع الرجوع، أيـــًا كانت الأعذار التى بنى عليها ، إذا توافر أحد موانع الرجوع الواردة فى تلك المادة، عملاً بقاعدة جواز تقييد القاضى بالزمان والمكان والأحداث والأشخاص. وشرط صحة تلك القاعدة أن يكون النهى مؤسسًـــا على أسباب موضوعية ، ترتبط بالغاية المتوخاة منه .



وحيث إنه عن نعى المدعى مخالفة النص المطعون عليه – فى النطاق السالف تحديده - لمبادئ الشريعة الإسلامية، ونص المادة الثانية من الدستور، فمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، طبقًا لنص المادة الثانية من الدستور الصادر سنة 1971، بعد تعديلها بتاريخ 22/5/1980 – وتقابلها المادة الثانية من الدستور الحالى الصادر سنة 2014 – لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصــــدر بعد التاريخ الذى فُـرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا انطــــــــوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إعمال حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها، لصدورها فعلاً من قبله، فى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائمًا، واجب الإعمال، ومن ثم فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن إعمال هذا القيد، وهو مناط الرقابة الدستورية، وهو القيد الذى يبقى قائمًا وحاكمًا لتلك التشريعات، بعد أن ردد الدستور الحالى الصادر سنة 2014، الأحكام ذاتها فى المادة الثانية منه.



وحيث كان ما تقدم ، وكان نص البند ( هـ ) من المادة ( 502 ) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 لم يلحقه أى تعديل بعد تاريخ 22/5/1980، مما كان لزامه عدم خضوعه لقيد الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية، والمادة الثانية من الدستور ، إلا أنه بالرغم من ذلك ، وعلى ما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون المدنى ، فقد استقى المشرع الأحكام الموضوعية للهبة من أحكام الشريعة الإسلامية .

وفى شأن مدى جواز الرجوع فى الهبة، أخذ بمذهب الفقه الحنفى ، الذى أجاز الرجوع فى الهبة إذا توافر العذر المبرر ، وانعدم المانع ، ويشمل عدم جواز الرجوع فى الهبة لذى رحم محرم ، ومن ذلك هبة الوالد لولده ، على سند من أن الغاية من الهبة فى هذه الحالة صلة الأرحام ، وقد تحققت بصدور الهبة  .

وإذ كان الرأى الذى تبناه المشرع فى هذا الشأن لا يخرج عن كونه اجتهادًا فى الفقة الحنفى ، فقد ذهب مالك والشافعى وابن حنبل وعلماء المدينة إلى جواز رجوع الوالد فى هبته لولده ، وهو ما يعرف باعتصار الهبة ، أى أخذ المال الموهوب قسرًا عن الابن ، مستدلين فى ذلك بحديث طاووس من أن النبى صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا يحل لواهب أن يرجع فى هبته إلا الوالد فيما يهب لولده"، وفى رواية أخرى " لا يحل للرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة ويرجع فيها إلا الوالد فيما يهب لولده"، وفى رواية ثالثة " لا يرجع الواهب فى هبته إلا الوالد فيما يهب لولده " .

وقد دل الفقهاء باختلافهم هذا على عدم وجود نص قطعى الثبوت أو الدلالة ، أو بهما معًــا فى مبادئ الشريعة الإسلامية ، يحكم هذه المسألة ، ومن ثم تعتبر من المسائل الظنية التى يرد عليها الاجتهاد، وتلك المسائل بطبيعتها متطورة، تتغير بتغير الزمان والمكان، وإذا كان الاجتهاد فيها وربطها منطقيًّــا بمصالح الناس حقًــا لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق لولى الأمر، ينظر فى كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دومًــا واقعًــا فى إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها، ملتزمًــا ضوابطها الثابتة، متحريًــا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة ، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلزمًــا فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها، ومن ثم كان حقًــا لولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما، ما لم يكن إثمًــا، وكان واجبًــا عليه كذلك ألا يشرع حكمًــا يضيق على الناس أو يرهقهم فى أمرهم عسرًا ، وإلا كان مصادمًــا لقوله تعالى " مَا يُرِيدُ اللًّه ليَجعَلَ عَلَيكُم فى الدين من حَرَجِ  " .



وحيث إن نص البند (هـ) من المادة (502) من القانون المدنى، منع الرجوع فى الهبة لذى رحم محرم، وقد ورد هذا النص بصيغة عامة ومطلقة، ليشمل هبة أى من الوالدين لولده .

واستقى المشرع هذا المانع من المذهب الحنفى ، منتهجًــا بذلك نهجًــا مخالفًــا لاجتهاد باقى المذاهب الإسلامية ، معللاً ذلك المانع بتحقق غاية الواهب من الهبة، ممثلة فى صلة الرحم. وقد صدَّر المشرع نص تلك المادة بعبارة " يرفض طلب الرجوع فى الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية ....."، مما مؤداه نهى القضاء عن بحث الأعذار التى قد تحل بالوالد الواهب وتستدعى رجوعه فى الهبة، وإن كانت تلك الأعذار من بين الأمثلة التى ورد النص عليها فى المادة (501) من ذلك القانون ، ومن ذلك : " أن يخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، أو نحو أحد أقاربه، بحيث يكون هذا الإخلال جحودًا كبيرًا من جانبه ، أو أن يصبح الواهب عاجزًا عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية ، أو يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من نفقة على الغير " . ومؤدى ذلك أن النص المطعون فيه ، وإن وقع فى دائرة الاجتهاد المباح شرعًــا لولى الأمر، إلا أنه – فى حدود نطاقه المطروح فى الدعوى المعروضة – يجعل الوالد الواهب فى حرج شديد، ويرهقه من أمره عسرًا، ويعرضه لمذلة الحاجة بعد أن بلغ من العمر عتيّا، إذا ما ألمت به ظروف أحوجته لاسترداد المال الموهوب، وامتنع الابن عن إقالته من الهبة، إضرارًا به، مستغلاً فى ذلك المانع الوارد بالنص المطعون فيه ، الذى يحول بين الوالد والحصول على ترخيص من القضاء بالرجوع فى الهبة ، ضاربًــا عرض الحائط بالواجب الشرعى لبر الوالدين، والإحسان إليهما ، وصلتهما، وطاعتهما فى غير معصية، والامتناع عن كل ما يفضى إلى قطيعتهما . 

فضلاً عن أن ما توخاه المشرع من ذلك المانع ، بالحفاظ على صلة الأرحام، ينافيه مواجهة حالة حجود الأبناء، وعقوقهم لوالديهم. ومن ثم يكون منع القضاء من الترخيص للوالد بالرجوع فى هبته لولده، ولو كان هناك عذر يبيح له ذلك، مصادمًــا لضوابط الاجتهاد والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، ومخالفًا بذلك نص المادة (2) من الدستور .



وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن القيم الدينية والخلقية لا تعمل بعيدًا أو انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة، بل تعززها وتزكيها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ومن أجل ذلك جعل الدستور فى المادة (10) منه، قوام الأسرة الدين والأخلاق والوطنية، كما جعل الأخلاق والقيم والتقاليد، والحفاظ عليها والتمكين لها، التزامًــا على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة، والمجتمع ككل، وغدا ذلك قيدًا على السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تسن تشريعًــا يخل بها، ذلك أنه، وفقًــا لنص المادة (92) من الدستور، وإن كان الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق والحريات أنها سلطة تقديرية، إلا أن المشرع يلتزم فيما يسنه من قوانين باحترام الأُطر الدستورية لممارسته اختصاصاته، وأن يراعى كذلك أن كل تنظيم للحقوق، لا يجوز أن يصل فى منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو الانتقاص منها، ولا أن يرهق محتواها بقيود لا تكفل فاعليتها. الأمر الذى يضحى معه النص المطعون عليه، فيما تضمنه من رفض طلب رجوع الوالد فى هبته لولده، إذا وجد مانع، مخالفًــا أيضًا – نصى المادتين (10، 92) من الدستور .



وحيث إنه عن النعى بإخلال النص المطعون عليه – فى النطاق السالف تحديده – بحق الواهب لولده، دون غيره مــــن الواهبين لغير ذى رحم محرم، فى الحصول على ترخيص من القضاء بالرجوع فى الهبة عند توافر العذر، فإن ما نص عليه الدستور فــــى المادة ( 97 ) من أن "  التقاضى حق مصون ومكفــــول للكافــــة  " ، قد دل على أن هذا الحق فى أصل شرعته ، من الحقوق العامة المقررة للناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال النفاذ إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد الإخلال بالحقوق التى يدعونها ولتأمين مصالحهم التى ترتبط بها، مما مؤداه أن قصر مباشرة حق التقاضى على فئة من بينهم أو الحرمــــان منه فى أحــــوال بذاتها، أو إرهاقــــه بعوائــــق منافية لطبيعته، إنما يُعــــد عملاً مخالفًا للدستور الذى لم يجــــز إلا تنظيم هذا الحق، وجعل الكافة ســــــواء فى الارتكان إليه، ومن ثم، فإن غلق أبوابــــــــه دون أحدهم أو فريق منهم، إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس بقاء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، وعدم حصولهم على الترضية القضائية باعتبارها الغاية النهائية التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على تلك الحقوق .



وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ، المنصوص عليه فى المادة (53) من الدستور الحالى، ورددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعى، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدًا على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، التى لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك سقط فى حمأة المخالفة الدستورية  .



وحيث إن الأصـــــل فى كل تنظيم تشريعى أن يكـــــون منطويًا علــــى تقسيم، أو تصنيف، أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض، أو عن طريق المزايا، أو الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا، عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها، بالوسائل المؤدية إليها، منطقيًـــا، وليس واهيًـــا أو واهنًــا، بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًا. ومرد ذلك، أن المشرع لا ينظم موضوعًا معينًا تنظيمًا مجردًا أو نظريًا، بل يتغيا بلوغ أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا لمصلحة عامة لها اعتبارها، يقوم عليها هذا التنظيم، متخذًا من القواعد القانونية التى أقرها، مدخلاً لها، فإذا انقطع اتصال هذه القواعد بأهدافها، كان التمييز بين المواطنين فى مجال تطبيقها، تحكميًا، ومنهيًا عنه بنص المادة ( 53) من الدستور .




وحيث كان ما تقدم ، وكان الواهبون لأموالهم ، على اختلاف حالاتهم ، وأغراضهم منها ، فى مركز قانونى متكافئ ، وقد أجاز المشــــرع – على ما سلف بيانه – للواهب الرجوع فى الهبة إذا ألمت به ظروف وأعذار تستدعى هذا الرجوع، وامتنع الموهوب له عن إقالته من الهبة ، وناط المشرع بالقاضى سلطة تقديرية فى شأن بحث جدية الأعذار التى يبديها الواهب فى هذا الشأن، ويقضى على ضوء ذلك، إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل، وأورد حالات لمنع الرجوع فى الهبة، ضمنها نص المادة (502) من القانون المدنى، من بينها هبة الوالد لولده، مانعًــا القضاء من بحث الأعذار التى يسوقها الوالد فى هذا الشأن، الأمر الذى يحول بينه والحصول على الترضية القضائية، لمجرد توافر هذه القرابة بينه والموهوب له. فضلاً عن أن الغاية التى توخاها المشرع من ذلك المنع، وهى الحفاظ على صلة الرحم، لم يراع فيها مواجهة عقوق الابن الموهوب له، إذ امتنع طواعية عن إقالة والده من الهبة فى هذه الحالة، بما يزكى هذا العقوق، حال أن المشرع أجاز فى المادة (501) من القانون المدنى الترخيص للواهب بالرجوع فى الهبة إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، أو أحد أقاربه، بحيث يكون هذا الإخلال جحودًا كبيرًا من جانبه. ومؤدى ذلك أن المانع الوارد بالنص المطعون فيه، فضلاً عن عدم ارتباط الوسيلة التى أوردها فى ذلك النص، بالغاية المتوخاة منها، فإنه يخل بمبدأ المساواة بين الواهبين المتماثلة مراكزهم فى الحصول على الترضية القضائية، وذلك لغير سبب موضوعى، بالمخالفة لنصى المادتين (53، 97) من الدستور .

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند ( هــ ) من المادة ( 502 ) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 ، فى مجال سريانها على هبة أى من الوالدين لولده ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

أمين السر                                  رئيس المحكمة

 

:هل أعجبك الموضوع

تعليقات

>