ضمانات وحقوق المحبوس احتياطيا
ضمانات وحقوق المحبوس احتياطيا
الحبس الاحتياطي
من أهم مظاهر المساس بالحرية الشخصية للمواطنين كونه سلب لحرية الشخص المتهم خلال مراحل التحقيق في الدعوى الجنائية ، ولما يترتب عليه من مساس مباشر بحق الإنسان في التنقل الذي كفله الدستور وذلك خلال مرحلتين من مراحل الدعوى الجنائية التي تلازمه فيه قرينة البراءة .
ولم يعرف القانون المصري ماهية " الحبس الإحتياطي" :
وإنما أشار إليه المشرع المصري كونه إجراء إحترازي .
وصفته محكمة النقض :
بأنه إجراء بغيض كونه يتعارض مع قرينة البراءة التي تعد حق أصيل للإنسان وتلازمه منذ نشأته و لا يجوز الانتقاص منها .
ويذهب الدكتور أحمد فتحى سرور إلى أن الحبس الاحتياطى :
إجراء بالغ المساس بالحرية الشخصية .
وقد كان له ماضٍ ملوث شهد إساءة استخدامه فى كثير من الدول ، خاصة فى النظم التسلطية التى تتفوق فيها حقوق السلطة على حقوق الفرد ، وبمقتضى هذا الإجراء يُودع المتهم فى السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها ، ويتعرض لانتهاك كرامته الانسانية التى كان يتمتع بها إبان أن كان طليق السراح ، وهو ما يحتم التدقيق فى مراعاة درجة التناسب بين آلام الحبس الاحتياطى ومصلحة المجتمع ،ووجدت قرينة البراءة في كافة القوانين والدساتير، حيث كفل الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية والقانون افتراض قرينة البراءة في المتهمين .
نص الدستور المصري في مادته رقم( 96 ) على أن :
"
المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة ، تكفل له فيها
ضمانات الدفاع عن نفسه " .
ونص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فى مادته رقم ( 11 ) على :
" كلُّ شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئًا إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانونًا
في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميعُ الضمانات اللازمة للدفاع عن
نفسه " .
ونصت المادة رقم ( 14 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على :
" من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئا إلى أن يثبت عليه الجرم قانوناً " .
ونظم قانون الإجراءات الجنائية منذ صدوره عام 1950 أحكام الحبس الإحتياطي
وشروطه وطريقة تنفيذه ، إلى أن قام المشرع المصري في عام 2006 بإدخال
تعديلات الهدف منها وضع ضمانات للمحبوس احتياطيا حتى لا يتحول من إجراء
احترازي للحفاظ على إجراءات التحقيق إلى عقوبة للتنكيل
بالمتهمين .
ضمانات المحبوس احتياطيا في القانون رقم 145 لسنة 2006
استحدث المشرع المصري عند تعديل قانون الإجراءات الجنائية في عام 2006 ضمانات للمحبوس احتياطيا في المادة ( 134 ) من القانون حرصا منه على إعادة التناسب بين حماية الحرية الشخصية للفرد وحماية المجتمع لمصلحة الحرية الشخصية ومصلحة التحقيق التي شرع الحبس الاحتياطي للحفاظ عليها .وتتمثل الضمانات المستحدثة في الحبس الاحتياطي فيما يلي :
- استجواب المتهم قبل صدور قرار الحبس الاحتياطي .
- سماع أقوال النيابة العامة في طلبها للحبس الاحتياطي .
- إبلاغ المتهم بأسباب حبسه احتياطيا .
- تمكين المحبوس الاحتياطي من الاستعانة بمحام وحقه في التواصل الدائم معه .
- عرض أمر الحبس الإحتياطي على النائب العام .
-
اتاحة الطعن على الأوامر الصادرة بالحبس الاحتياطي أو بمده .
* استجواب المتهم قبل صدور قرار الحبس الاحتياطي :
- عرف القاضى سرى محمود صيام نائب رئيس محكمة النقض الأسبق الاستجواب
بأنه " مناقشة المتهم تفصيلياً ومواجهته بالتهمة محل التحقيق وتفنيد
الأدلة المقدمة ضده ، وهو إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي ، يختص به قاض
التحقيق أو النيابة العامة اختصاصاً اسستئثارياً لا يجوز بأي حال تفويض جهة
أخرى فيه " .
- كما عرف الدكتور رؤوف عبيد الاستجواب بأنه :
" استجواب المتهم غير سؤاله ، لأنه يتطلب فضلا عن توجيه التهمة إليه مجابهته
بالأدلة المختلفة القائمة قبله ، ومناقشته فيها مناقشة تفصيلية ، كى يفندها
إن كان منكراً للتهمة ، أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف " .
- وقد نصت المادة ( 134 ) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه :
" يجوز لقاض التحقيق بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه إذا كانت
الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة، والدلائل
عليها كافيه أن يصدر أمر بحبس المتهم احتياطيا " .
وقد تعاظمت قيمة هذه الضمانة بالتعديلات التي أُدخلت في القانون على
الأحكام الخاصة بالاستجواب ، المنصوص عليها فى المادة ( 124 ) إجراءات والتى
تمثلت في وجوب دعوة محامى المتهم فى الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوباً ،
وذلك قبل استجوابه أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود ، كما ألزمت
المحقق من تلقاء نفسه أن يندب محام للحضور مع المتهم إن لم يكن له محاميا أو
إن لم يحضر محاميه بعد دعوته وكانت هذه الضمانات قبل التعديل مقتصرة على
الجنايات فقط .
وجاء الاستثناء على التعديل الوارد فى المادة الذي تتيح لجهة التحقيق
إصدار أمر حبس الشخص احتياطيا دون الاستجواب
هي حالة هروب المتهم وينفذ قرار الحبس الاحتياطي فور إلقاء القبض
عليه .
ووضح القانون الفرق بين السؤال والاستجواب ، وأعطى القانون سلطة
الاستجواب دون موافقة المتهم أو دفاعه إلى النيابة العامة وانما قصر المحكمة
على سؤال المتهم عن الاتهام المسند إليه دون استجوابه إلا بموافقة المتهم وفي
حضور دفاعه .
* وجوب سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم قبل صدور قرار الحبس الاحتياطي :
أوجبت المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية على قاض التحقيق قبل أن يصدر أمراً بالحبس الإحتياطي أن يسمع أقوال النيابة العامة في أسباب طلبها لحبس المتهم احتياطيا وكذلك دفاع المتهم ورده على تلك الأسباب ، وكان الهدف من ذلك أن يقف قاض التحقيق على وجهات نظر طرفي الخصومة الجنائية ، وكانت تلك الضمانة للمتهم باعتبار أن النيابة خصم شريف تعمل بواجبات القانون حتى وإن كانت في صالح المتهم ، ومن ثم يتصور أن تبدي النيابة العامة في هذا الإطار ما يحقق مصلحة المتهم .
ويتمثل إهدار تلك الضمانة الهامة قيام نيابة أمن الدولة خلال الشهور
الأولى لحبس المتهم احتياطيا بالجمع بين سلطة التحقيق وسلطة تجديد الحبس ،
فتقوم باصدار قرارات الحبس الاحتياطي دون أن تقوم بسرد دفاعها لطلب مد الحبس
الاحتياطي .
ولم يقتصر إهدار تلك الضمانة على نيابة أمن الدولة وحدها وإنما أمتد
إلى دوائر تجديد الحبس في محكمة الجنايات المنعقدة في غرفة المداولة في
العديد من القضايا المنظورة أمام نيابة أمن الدولة
ومنها على سبيل المثال :
* وجوب أن يكون قرار الحبس الإحتياطي مسببا :
نصت المادة 139 من قانون الإجراءات الجنائية على أن :
" يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيا بأسباب القبض عليه أو حبسه ،
ويكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ، ويجب إعلانه
على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه .
لم يكن المشرع المصري يلزم السلطة مصدرة قرار الحبس الإحتياطي أن تبين
أسبابا محددة لإصدار أمرها بالحبس الاحتياطي ، وقد تدخل المشرع في عام 2006
بتعديل قانون الإجراءات الجنائية بموجب القانون رقم 145 لسنة 2006 وحدد أسباب
للحبس الإحتياطي لا يجوز إصدار القرار إلا بتوافر أحد هذه الأسباب ، وكانت
هذه الأسباب الواردة في نص المادة 143 من القانون على سبيل الحصر والمتمثلة
في أن يكون إلقاء القبض على الشخص متلبسا بارتكاب الجريمة، عدم وجود محل
إقامة ثابت ومعلوم داخل جمهورية مصر العربية وخشية هروبه خارج البلاد ، خشية
الإضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليهم أو الشهود ، أو خشية
العبث في الأدلة والقرائن المادية وتوخي الإخلال بالأمن والنظام العام.
ويتضح من نص تلك المادة أن المشرع قد وضع ضمانة أن يصدر القرار وفقا للأسباب
الواردة وفقا لنص المادة للوزن بين مصلحة التحقيق والحرية الشخصية للمواطنين
وحرصا منه على الأ يتحول الحبس الإحتياطي من تدبير احترازي إلى عقوبة يتم
الإفراط في استخدامها للتنكيل بالمحبوس احتياطيا .
* تمكين المحبوس احتياطيا من الاستعانة بمحام وحقه في الاتصال معه دائما :
تعد ضمانة تمكين المحبوس احتياطيا من الاستعانة بمحام من أوجه تجسيد
الحق في الدفاع الذي يتصدر ضمانات التقاضي والمحاكمة العادلة .
وذهبت المحكمة الدستورية العليا على أن
" حق الدفاع وثيق الصلة بالدعوى الجنائية من زاوية تجلية جوانبها وتصحيح إجراءاتها ومتابعتها ، وعرض المسائل الواقعية القانونية والقانونية التي تؤيد مركز المتهم بما يكفل ترابطها ، والرد على ما يناهضها ، وإنه لا يتصور أن يكون فعالا إلا بضمان ألا يعزل المتهم عن الاتصال بمحاميه بطريق مباشر أو غير مباشر ، سواء كان ذلك في مرحلة الفصل قضائيا في الاتهام أو قبلها ، إذ لا ينبغي أن يكون حق الدفاع مقصورا على مرحلة الاتهام أو كيفية الفصل فيه ، دون مراحل التحقيق التي يكون التركيز فيها ليس على جريمة مازال أمر وقائعها وبواعثها مشوبا بالغموض ، وإنما على شخص محدد مشتبه فيه بارتكابها ، محاطا من الجهة التي تتولاه بأسئلتها وتحفظها عليه " .
وكان الغرض الرئيسي من وضع هذه الضمانة هي إتاحة الفرصة لدفاع المتهم
لترتيب الدفاع اللازم ، وإعداد أدلة النفي بكافة أنواعها ، وتفنيد ما تتقدم
به سلطة التحقيق من أدلة الإثبات والرد عليها .
* وجوب عرض أمر الحبس الإحتياطي على النائب العام :
أوردت الفقرة الثانية من المادة ( 143 ) من قانون الإجراءات الجنائية على هذه الضمانة بنصها على أنه
" … ومع ذلك يتعين عرض الأمر على النائب العام إذا انقضى على حبس المتهم احتياطيا ثلاثة أشهر، وذلك لاتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة للانتهاء من التحقيق " .
- تضمن نص المادة سالفة البيان على وجوب عرض التحقيقات على المستشار النائب
العام لتقدير مدى توافر مبررات قرارات الحبس الاحتياطي الصادر قبل المتهمين ،
للوقوف على مجريات التحقيقات من حيث مدى السير في إجراءاته بالسرعة المعقولة
، أو من جهة ما قد يكون هناك من تراخ في هذه الإجراءات أو بطء غير مبرر في
اتخاذها .
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على تلك الضمانة من منطلق " إن
الحق في محاكمة منصفة يتضمن - بين ما يشتمل عليه - الحق في محاكمة لا يكتنفها
بطء ملحوظ، باعتباره من الحقوق الجوهرية التي لا يجوز أن يكون الاتهام معها
متراخيا دون مسوغ، معلقا أمدا طويلا بما يثير قلق المتهم، ويعوق بالضرورة
مباشرته للحقوق والحريات التي كفلها الدستور”
وعلى الرغم من أن ما ذهب إليه الدكتور مأمون سلامة :
" إلى اعتبار حكم وجوب عرض التحقيق على النائب العام على
النحو سالف البيان قاعدة تنظيمية لا يترتب على مخالفتها بطلان الحبس
الإحتياطي ، وانما هو ضمانة للحد من اطالة حبس المواطنين احتياطيا " ، إلا
أن هذا الرأي من الفقه ضد صريح النص وقصد المشرع وذلك بحسبان أن :
لفظ " يتعين " الذي أورده المشرع في صدر المادة ( 143 ) من قانون الإجراءات
له مدلول في اللغة العربية والمعاجم اللغوية بمعنى الإلزام والوجوب ، فيترتب
على إغفال الوجوب بطلان الإجراءات المترتبة عليه .
استهداف المشرع من عرض الأوراق على المستشار النائب العام هو العودة
إلى الشخص الأصيل دستوريا بالتحقيق ولا يمكن إعتبار إحالة الأمر إلى النائب
العام قرار هزلي وذلك كون النص قد حدد دورا هاما له حال عرض الأوراق عليه
والتي تمكنه بشخصه وصفته من اتخاذ الإجراءات التي يراها كفيلة للانتهاء من
التحقيق .
* استئناف أوامر الحبس الاحتياطي أو قرارات مدها :
حرص المشرع في القانون رقم 145 لسنة 2006 على اكتمال منظومة ضمانات الحبس
الاحتياطي ، على نحو يحقق فاعليتها ويصل بها إلى تحقيق أهدافها وغايتها، واستحدث في
الفقرة الثانية من المادة ( 164 ) من قانون الإجراءات الجنائية والتي أعطت
الحق للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس بعد أن
كان مقتصراً قبل التعديل على أن يكون الاستئناف للنيابة العامة وحدها ، وكذلك
الفقرة الثانية من المادة ( 205 ) من ذات القانون التي أعطت ذات الحق وهي
الضمانة التي تكتمل بها منظومة الضمانات التي استهدفت تحقيق أقصى درجات سلامة
ممارسة الحبس الاحتياطي
.
هذا وقد وضع المشرع فى القانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ حدًا أقصى لمدد الحبس الاحتياطى إذا قضاها المتهم محبوسًا ولم يكن التحقيق معه قد انتهى يجب أن يفرج عنه ، فنصت المادة ( ١٤٣ ) فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ على أنه :
" لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطى على ثلاثة أشهر ، ما لم يكن المتهم
قد أعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة .
فإذا كانت التهمة جنحة وكان التحقيق معه قد انتهى وأحيل إلى المحكمة
فيظل محبوسا بشرط أن تعرض النيابة العامة أمر الحبس خلال خمسة أيام على
الأكثر من تاريخ الإعلان بالإحالة على المحكمة المختصة وفقًا لأحكام الفقرة
الأولى من المادة ( ١٥١ ) من القانون ، وإلا وجب الإفراج عن المتهم .
إذا كانت التهمة المنسوبة إليه جناية ، فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطى على خمسة أشهر إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يومًا قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة ، وإلا وجب الافراج عن المتهم .
وفى جميع الأحوال لا يجوز أن تتجاوز مد الحبس الاحتياطى فى مرحلة التحقيق الابتدائى وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد اة لأقصى للعقوبة السالبة للحرية .
بحيث لا يتجاوز ستة أشهر فى الجنح وثمانية عشر شهرا فى
الجنايات ، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هى
السجن المؤبد أو الإعدام .
تعليقات
إرسال تعليق
يشرفنا متابعتكم المدونة القانونية https://alaaharoun.blogspot.com/